الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث القصرين بين سندان الارهاب ومطرقة الفقر والتهميش..فحذار من انتفاضة «الفراشيش»!

نشر في  16 سبتمبر 2015  (12:09)

طفل لم يتجاوز عامه السابع ينزع حذاءه المهترئ ويسلمه لشقيقته الصغرى مع ابتسامة تحمل في طياتها سنوات أكبر من عمره بكثير، ليمشي  حافي القدمين غير عابئ بحرارة الطقس، لعلها هي الصورة التي ظلت راسخة بمخيلتنا بعد زيارة ولاية القصرين ..
القصرين اسم قد يرادف في مخيلة التونسي معقل الارهاب، حيث لا يكاد يخلو ذكر اسم هذه المنطقة دون الحديث عن الارهابيين وجبلي الشعانبي والسلوم، عن الشهداء، عن الذبح والدماء، في المقابل تهمّش المشاكل الحقيقية لأبناء هذه المنطقة التي منحت تونس قرابة الـ 40 شهيدا أثناء الثورة في كل من حي الزهور وحي النور وتالة وفوسانة وسبيطلة وحاسي الفريد، مشاكل تتمحور في مجملها حول البطالة والفقر وغياب تام للتنمية...
أهالي القصرين يعيشون حالة من اليأس والفقر والحرمان والتهميش من جهة، والخوف من تأثير الجماعات الارهابية على أبنائهم من جهة أخرى، وبين هذه الثنائية القاسية، يغيب السياسي وتغيب معه الارادة الكافية لاخراج  بلاد «الفراشيش» من واقعها القاتم والأليم.

اخبار الجمهورية استغلت زيارة قام بها فريق برنامج بالمكشوف من قناة حنبعل صحبة مجموعة من الفنانين والممثلين والوجوه الرياضية المعروفة الذين تحولوا الى القصرين محملين ببعض المساعدات والمتمثلة في لوازم مدرسية للتلاميذ وبعض الأزياء الرياضية والألعاب لدور الشباب بالجهة، استغللناها للاستماع الى أهالي القصرين وايصال أصواتهم..

 ارهاب فكري واجتماعي

الارهاب هو الشيء الوحيد الذي انضاف الى القصرين بعد الثورة، بهذه الجملة وبعبارات ممزوجة بالكثير من الألم وغصة في القلب حدثتنا الحاجة زعرة الشعباني عن معاناتها الشخصية ومعاناة الجهة بصفة عامة، الحاجة زعرة تجمع القوارير لتوفر لقمة العيش لأبنائها الأربعة أحدهم يجتاز هذه السنة امتحان الباكالوريا والآخر امتحان السادسة ابتدائي أما الآخران فلا عمل قار لهما بعد أن غادرا مقاعد الدراسة، هذه المرأة المناضلة أكدت أن أمنيتها الوحيدة في الحياة هي اجتثاث آفة الارهاب من المنطقة وتوفير مواطن شغل تحفظ لأهالي الجهة العيش الكريم مضيفة أن القصرين التي منحت أبناءها فداء للوطن باتت تعيش حالة من الخوف على مصير بقية أبنائها الذين قد تجبرهم البطالة والخصاصة على الانضمام لسكان الجبل وتقصد الارهابيين...
صور مؤلمة للغاية علقت في أذهاننا ونحن نتحدث لأهالي حي الزهور، حيث تجمهر الأهالي علهم يظفرون ببعض الكتب واللوازم المدرسية لابنائهم بعد أن عجزوا بأجورهم المتدنية عن توفير أبسط الضروريات لفلذات أكبادهم، فغير بعيد عن الحاجة زعرة التقينا بصباح دخيل الله أم لأربعة أطفال وزوجة لرجل لم يعد يكفيه عمله اليومي لتوفير لقمة العيش، صباح أكدت أن الثورة لم تجلب للقصرين سوى المزيد من الفقر والبطالة والاقصاء أو «الحقرة» كما جاء على لسانها، مضيفة انه يوجد اليوم في تونس من ينام ببطن خاوية، وطالبت صباح بايجاد حلول عاجلة لهذه الجهة التي عانت خلال النظام السابق من التهميش وتواصل تهميشها بعد ثورة ظن الجميع أنها ستجلب الخيرات لهذه المناطق الداخلية، طالبت بتوفير مواطن شغل وبعث شركات ومعامل وباصلاح البنية التحتية وبتشجيع المستثمرين على الاستثمار في القصرين مبينة أنها ملت كما ملّ غيرها من أهالي المنطقة من العمل في الحضائر التي لا يتجاوز المدخول منها الـ 200 دينار، وختمت محدثتنا كلامها بقولها: «صدقا لا يوجد ما يشجع على الحياة في القصرين».

هل ينفجر غضب «الفراشيش»؟

وأثناء جولتنا بين أهالي القصرين اصرت احدى السيدات على الحديث معنا بل ورافقتنا في جولتنا لتؤكد لنا في كل مرة ضرورة ايصال صوتها وانتشالها هي وأبناؤها من براثن الفقر بعد أن توفي زوجها محملا اياها مسؤولية أثقلت كاهلها، فالسيدة مبروكة أفادتنا أنها تتقاضى مقابل عملها في الحضيرة مبلغا شهريا يقدر ب250 دينارا، مضيفة أنها تشتغل في هذا المجال منذ سنة 1982 دون عقد ترسيم، وأن المسؤولين اخبروها أن هذه السنة هي الأخيرة لها في عملها لتجد نفسها بعدها مهددة بالتشرد صحبة ابنائها خاصة أنه تم حرمانها من الضمان الاجتماعي، السيدة مبروكة ذكرت أنها تعاني من مرض السكر ورغم ذلك افتكوا بطاقة علاجها المجاني، وهو ما وضعها في وضع سيئ للغاية حيث باتت عاجزة عن توفير حقن «الانسولين»، وفي سياق حديثنا معها بينت أنها لم تجد أدنى اهتمام من السلط المحلية ولم تجد من يستمع اليها بعد أن أغلقت كل الأبواب في وجهها، وقالت : «لم يتغير شيء في القصرين فنحن ازددنا فقرا وبؤسا «.
من شباب القصرين التقينا برفيق نصري، الذي تحدث الينا بلغة حبلى بالسخرية وفيها الكثير من المرارة والغضب حيث أفادنا رفيق أن شباب القصرين بات يشعر بالقهر والظلم مضيفا أن هذا الشعور قد ينفجر في كلّ لحظة، لتكون نتيجته عكسية وغير متوقعة، مضيفا أن أمل هؤلاء الشباب انحصر في ايجاد مواطن شغل والتخلص من آفة البطالة والفقر مشيرا الى أن هذه الآمال تبخرت وزالت وأن كل الوعود التي تلقاها شباب القصرين كانت مجرد وعود زائفة تنتهي مدة صلوحيتها مع نهاية كل موعد انتخابات، وأن شباب القصرين واهاليها ليسوا سوى مجرد أصوات انتخابية لا غير يتذكرهم السياسي في حملته الانتخابية وسرعان ما يتجاهلهم بمجرد تحقيق غايته.  

مدارس،طرقات وتنمية ... صفر فاصل

«القصرين حققت خطوات الى الخلف لا الى الامام»، بهذه العبارة لخص عز الدين المروشي معلم وعضو بنقابة التعليم الاساسي الوضع في ولايته، حيث بين أن نسبة الانقطاع عن الدراسة في ارتفاع متواصل سواء بالنسبة لتلاميذ الابتدائي أو الثانوي أو حتى الجامعي حيث سجلت الولاية عودة عدد هام من الطلبة نتيجة عجزهم عن مجابهة مصاريف الدراسة.
وذكر عز الدين أن وضعية بعض المدارس وخاصة بالأحياء الشعبية كارثية، مشيرا الى أن لجان الصحة التي زارت السنة الفارطة هذه المدارس أكدت أن نسبة الرطوبة في الاقسام تتجاوز ال52 بالمائة وهو مؤشر خطير على حد تعبير محدثنا الذي ذكر أن معظم الاقسام لا تصلح للتدريس خاصة في فصل الشتاء، وأضاف أن بعض تلاميذ الأرياف يواجهون صعوبات لا تحصى ولا تعد لعل أهمها عجزهم عن الوصول لمدارسهم خاصة مع فيضان الأودية، وأن القصرين سجلت وفاة أكثر من تلميذ أثناء محاولته عبور هذه الأودية، وفي نفس السياق ذكر المعلم عز الدين المروشي أن مدارس وتلاميذ القصرين لا يحتاجون الى اعانات بقدر حاجتهم الى اعادة ترميم مدارسهم وادخال بعض التحسينات عليها.
من جهة أخرى عبر محدثنا عن استيائه الشديد من غياب أبسط وسائل الترفيه لاطفال القصرين، مؤكدا أن دور الشباب تفتقر الى الامكانات اللازمة .
ووصف عز الدين البنية التحتية لولاية القصرين بالمأساة حيث ذكر أن جل الطرقات غير معبدة اضافة الى انعدام الخدمات الأساسية كقنوات الصرف الصحيّ وحاويات النفايات.
وفي سياق حديثه ذكر محدثنا أن القصرين هي أكثر جهة منحت شهداء، مستدركا كلامه بالتأكيد على أن شهداء القصرين هم فداء لتونس لكن وفي المقابل لم تحظ هذه الولاية بأي لفتة بسيطة من المسؤوليين حيث ذكر أن الارادة السياسية في تونس تتبنى عقلية المكيالين من ناحية التنمية، حيث ذكر أن التنمية غير متكافئة بين الشريط الساحلي والمناطق الداخلية وكأن الأمر يتعلق ببلدين في بلد واحد مبينا وجود جهات ثرية وجهات مفقرة ومهمشة وينعدم فيها الحد الأدني من العيش الكريم.
وختم السيد عز الدين كلامه معنا بقوله: «لقد غادر المستثمرون الأجانب القصرين نتيجة خوفهم من التهديدات الارهابية، وكل ما نطلبه اليوم من دولتنا هو تشجيع المستثمر التونسي على بعث مشاريع ولو صغرى بهذه الجهة المحرومة من أبسط الحقوق».

«لا جديد في حياتنا سوى مزيد من الفقر»

بين صفوف الأطفال الذين تحولوا بكثافة للحصول على بعض الكتب والادوات المدرسية والمحافظ، ونظرتهم المليئة بالفرح لأشياء بسيطة، التقينا بالسيدة رحيمي صحبة ابنيها أحدهما يزاول تعليمه بالسنة السابعة اساسي والآخر بالسنة أولى ابتدائي، السيدة تحولت الى مدرسة حي الزهور لنيل بعض الاعانات التي تساعدها على مجابهة مصاريف تعليم ابنيها خاصة بعد وفاة زوجها، وفي سياق حديثنا معها ذكرت السيدة أنها تكفل يتيمين ورغم ذلك لم تجد من يساعدها على  هذا الحمل الثقيل مضيفة ان إحدى الجمعيات المهتمة بالايتام بجهة القصرين رفضت مساعدتها طيلة سنوات لتكتفي هذه السنة بتسليمها مبلغا ماليا قدره 40 دينارا بمناسبة العودة المدرسية، مضيفة أن شيئا لم يتغير في القصرين انطلاقا من الاعانات والمساعدات التي تقدم وفق المعارف والاكتاف على حد تعبيرها .
واكدت السيدة رحيمي أن اهالي القصرين فرحوا بثورتهم على امل تحسن مستوى عيشهم لكن كل احلامهم تبخرت وأن كل الوعود التي تلقتها هذه الولاية كانت عبارة عن حبر على ورق، وختمت كلامها بقولها: «لا جديد في حياتنا سوى مزيد من الفقر».
بالقرب من السيدة رحيمي التقينا بامرأة عجوز تدعى مباركة، واكتفت محدثتنا ببعض الكلمات التي تلخص وضعها ووضع القصرين بصفة عامة حيث قالت: «بعد سنوات طويلة من العمل في الحضائر نجد أنفسنا نحن الذي تجاوزنا الستين سنة عاطلين عن العمل ودون مورد رزق... القصرين في عهد بن علي أفضل من القصرين اليوم فالمشروع الوحيد الذي انضاف الى القصرين هو الموت».   

ويبقى الأمل...

ختام جولتنا في القصرين كان مع ضابط شرطة فخري البناني، الذي تركنا شهادته الى نهاية التحقيق علها تكون الأمل في مستقبل أفضل لهذه الجهة، ففخرى أكد أن الأمنيين في القصرين كلهم استعداد للذود عن الوطن وللقضاء على الارهاب ولو كلفهم ذلك آخر قطرة دم في أجسادهم، مشيرا الى أن المطلوب من سلطة الاشراف هو توفير الامكانات اللوجستية من صدريات وسيارات، مؤكدا أن المشاكل الامنية في هذه الجهة تنحسر في توفير هذه الامكانات لا غير.
وقبل مغادرة بلاد علي بن غذاهم  مررنا بمدينة سبيطلة وموقعها الأثري المعروف، ليزداد يقيننا أن ولاية القصرين ستبقى قلعة النضال والصمود في وجه خفافيش الظلام .     

 تحقيق: سناء الماجري